هذا الموقع مخصص لجدي، الأب، الصديق، المثال والقائد حسن عبد العزيز (المعروف باسم "الورداني"). كان قائد الساحل للمقاومة المسلحة التونسية ضد الإحتلال الفرنسي، وكانت المجموعة تعرف باسم "فلاقة الساحل" وتنشط في الساحل والقيروان والجبال الشمالية لولايتي القيروان وسوسة. ولد حسن الورداني حوالي سنة 1908 في الوردانين في وسط منطقة الساحل (المنطقة الساحلية لوسط تونس).
مثل معظم الناس في المنطقة، نشأ في عائلة فلاحية. كان يعمل مع والده من سنة 1928 حتى سنة 1934، وخاصة في الأراضي الفلاحية في منطقة القيروان (وسط البلاد) وذلك على وجه الكراء أو بالأقساط.
عندما كان في القيروان، سرق شخص حصانه. شعر بالإهانة وقرّر استردادها بأي ثمن. تابع خطواته من مدينة إلى أخرى، وسأل السكان المحليين وكوّن صداقات على طول الطريق. لم يستسلم حتى وجده وذهب إلى منزله آسترجع الحصان دون التعدي عليه أو على زوجته التي كانت وحيدة في الضيعة. بعد هذه الحادثة، أصبح معروفًا كشخص يمكنه العثور على الحيوانات المسروقة وإعادتها، وهكذا بدأ عمله الأول. بدأ السيد حسن في إعادة الحيوانات والممتلكات المسروقة إلى الناس مقابل أجر. من أجل تطوير أعماله، بدأ في السرقة وجمع الفدية وإرجاع الحيوانات المسروقة. أصبح هو ومجموعته لصوص مشهورين. حقيقة كونك من المدينة الأكثر رعبا جعلت الأمر أكثر سهولة لأنّ أحدا لم يحاول متابعتهم أو الإمساك بهم عندما يدخلوا أرض الوردانين. كذلك كان يعمل في تجارة السكر والشاي مع ليبيا.
حادثة واحدة حولت حياته من لص إلى رجل يعمل في الحلال، إلى جانب الأشخاص الضعفاء، محترما من قبل المنطقة بأسرها (هذه الصفات ساعدته خلال فترة رئاسته للفلاقة). وقع الحادث عندما أتاه أصدقاءه في خصوص أرملة سرقت أبقارها من مدينة القلعة الكبرى، وعدهم حسن باستعادتها. بدأ بجمع وشراء معلومات عن السرقة واكتشف أنّ خائن تونسي معروف يعمل مع الجيش الفرنسي كان وراء هذه الجريمة. كان الخائن من نفس مدينة القلعة الكبرى، كان المعروف والمحمي من قبل الحكومة الفرنسية. لم يستسلم حسن عندما علم أنّ المهمة كانت شبه مستحيلة.
لعدّة أشهر ومئات الكيلوميترات والتكلفة التي أجبرته على بيع بعض أراضي والده، انتقل من مدينة إلى مدينة لجمع المعلومات حول الأبقار ومواقعها حتى تمّ الوصول إليهم قبل عبور الحدود الجزائرية. مسلحا بمسدس، أجبر اللصوص التخلي عن الحيوانات. عندما وصل حسن إلى مدينة القلعة الكبرى طلب من بعض أصدقائه إعادة الحيوانات إلى المالكة (الأرملة). عندما سئل في وقت لاحق، لماذا لم يفعل ذلك بنفسه، كانت إجابته "تجنب أن أقتل أو يقتلني الخائن أومجموعته". شعار مدينة الوردانين: "الأجانب دائماً موضع ترحيب سالمين ومحميين". في أوائل الثلاثينات، جاء شاب صغير، أبيض اللون، ذو أعين زرقاء إلى المدينة وطلب التحدث إلى الناس، اسمه: بورقيبة. قدر الناس شجاعته وسمحوا له بإلقاء خطاب. في اليوم التالي، طلب السيد بورقيبة في خطابه، قال أريد "أولاد الليل" (الخارجين عن القانون). بعد كلمته، تمّ تقديمه لزعيمهم حسن عبد العزيز الورداني ومنذ ذلك اليوم حصل على دعم وحماية أحد أقوى الرجال في البلاد. ذهب بورقيبة بعد ذلك إلى لقاء قصر هلال بأفكار قوية وبحلفاء أقوياء.
في سنة 1946، ذهب حسن الورداني إلى الجزائر لمزامنة المقاومة مع أحمد بن بلة وغيره من القادة الجزائريين. بعد زيارته للجزائر، قرّر مع بورقيبة أن تبدأ تونس المعركة وحدها خاصة بعد إعتقال بن بلة. بدأ بتدريب فريقه، ومعظمهم من "أولاد الليل". اثنان منهم متهمان بالجريمة وطلب حسن من أعضاء حزب "دستورين" إيجاد طريقة لإخراجهم. قبل المثول أمام القاضي، قام صالح بن يوسف ووزير العدل محمد فرحات، المدعي الشاب، بتعديل الجريمة في سجلهم الجنائي من جريمة قتل إلى حالة سكر في الطريق العام وتمّ إطلاق سراحهم.
في الاجتماع الأول لزعماء الفلاقة مع بورقيبة، اقترح الورداني بالإجماع قبول تشكيل الفلاقة من مجموعات مستقلة يسيطر عليها قادة إقليميون مختلفون. كان لهذه الإستراتيجية ميزتان رئيسيتان : سوف تعطي جيش الاحتلال الفرنسي انطباعًا بأنّ الانتفاضة كانت تجري في جميع أنحاء البلاد، لكن سيكون من المستحيل على الفرنسيين أيضًا السيطرة على جميع القادة من خلال الفساد أو السجن.
بعد إلغاء الاجتماع الدستوري الجديد في 18 جانفي 1952 واحتجاز الحبيب بوقيبة والعديد من قيادات الحزب جاءته التعليمات بالتصعيد، ووقع أول اشتباك مع الجيش الفرنسي في سوسة بعد أربعة أيّام ، 22 جانفي 1952.
قُتل ما لا يقل عن 17 تونسيا خلال أعمال الشغب ومقتل العقيد روبرت ديران (Robert Durant)، القائد الفرنسي لمنطقة الساحل. أربعة من الشهداء كانوا من الوردانين. وأمر حسن الورداني بدفنهم في بلدتهم وتمكّن فريقه من إعادة الجثث في تلك الليلة لدفنها في اليوم التالي، وفقًا لطقوس المسلمين رغم المحاصرة. التامة لمدينة سوسة ومنع خروج الناس منها. واعتبرت السلطات الفرنسية أنّ الورداني هو الراعي لاغتيال العقيد ديران وأصبح مطلوباً بمكافأة قدرها مليون فرنك إذا عثر عليه ميتا أو حيا. يوم 22 جانفي 1952 آنطلقت الثورة المسلحة وبدأ العمليات بجهة الساحل ثمّ الوطن القبلي|.
في 5 ديسمبر 1952، اغتيل فرحات حشاد من قبل اللواء الأحمر الفرنسي بمساعدة عديد الخونة. طلب الورداني من فريقه وجميع فلاقة الساحل بدء عمليات "تنظيف المنازل" إذ وقع قتل أو محاولة قتل كلّ من له يد في العملية : المفتش نوار العذاري، ولد جيرالدي وبيتس. وبالرجوع إلى الصحف التي صدرت في تلك الفترة فإنّ أغلبية العمليات كانت في جهة الساحل (وهذه مصادر لا يمكن التشكيك فيها). خلال العملية ، قتل أعضاء الفلاقة عشرات الخونة في مدن مختلفة من البلاد، بما في ذلك عم الرئيس التونسي السابق بن علي. عاد حسن عبد العزيز بنفسه إلى القلعة الكبرى وقتل الخائن المسؤول عن سرقة الأبقار منذ سنوات. كان الورداني ورجاله يتحركون. كانوا يرتدون الملابس التقليدية حتى يتمكنوا من الاندماج بسهولة مع السكان. كانت جميع عملياتهم خارج الوردانين، وكان شعار المدينة يحظى بالاحترام دائما. لم يتم القبض على الورداني أو أي عضو في فريقه المباشر لثلاثة أسباب رئيسية :
لقد كان الورداني ناجحا كفلاقة ليس فقط بسبب فريقه المخيف، ولكن أيضًا بسبب علاقاته داخل الحكومة الفرنسية وخارجها. وكان مورد الأسلحة الرئيسي له ضابطًا تونسيا في الجيش الفرنسي. لم يقدم المورد الأسلحة فحسب، بل قدم معلومات قيمة عن تحركات الجيش الفرنسي. حافظ السيد الورداني على اسم مورده سرا حتى استقلال تونس سنة 1956.
وكشف الورداني لاحقًا عن اسم الضابط : اللواء محمد الكافي، الذي أصبح أحد أكثر قادة الجيش التونسي احتراماً. وكان من المعروف أن الجنرال الكافي هو والد نعيمة، الزوجة الأولى للرئيس بن علي. كان الورداني رجلا بسيطًا يتمتع بالكاريزما ويحترمها أصدقاؤه وأعداؤه. لطالما اعتبر أنّ ما يفعله من أجل تونس هو التزام وواجب وليس استحسان يجب مكافأته عليه. ومع ذلك ، حصل على أفضل مكافأة ، وهي إحترام الشعب التونسي.
بعد الإستقلال وحتى وفاته، كانت له زيارات يومية من جميع أنحاء البلاد ومن الخارج (بما في ذلك الجزائر وليبيا). يأتي بعض الناس فقط لرؤيته، تبادل التحيات أو نقل إحترام شخص آخر. جاء آخرون لرؤية الورداني لحلّ المشاكل (من جميع الأنواع : مشاكل القانون، الوظائف، المال، الصراعات، ...). إثنين من ميزات جدي هي :
أنّه كان يعرف كلّ الأشخاص الذين أتوا لزيارته، إذا لم يكن يعرف الشخص، فقد كان يعرف أحد أقربائه. فهو مثل ويكيبيديا للسكان التونسيين.
لقد عرض دائما منزله كمكان للنوم والأكل. عندما كنت صبيا، أتذكر أنّني رأيت أكثر من أربعين شخصا ينامون في المنزل. في ذلك الوقت، لم أفهم أبدا السبب، ولكن على مرّ السنين، أدركت لطف وكرم عائلتي. والأهم كان يحاول أن يرجع القليل ممّا فعله التونسيين معه ومع رجاله. كان جدي دائما يحمل معه العشرات من جوازات السفر وبطاقات الهوية والرسائل وأحيانا حتى الأسلحة النارية (التي أعادها أساسا من الفلاقة). لقد كان صوت المحتجين ولم يرفض أبدا أي شخص يمكن أن يساعده ولم يأخذ أبدا مليما لمشكلة حلها أو إستحسان أعاده.
خارج البلاد، كان لديه الكثير من الاحترام، وخاصةً من الجزائريين، لأنّه ساعد في تهريب الأسلحة خلال ثورتهم وحماية الفلاقة الجزائرية عند عبور الحدود. هكذا أصبح صديقًا جيدًا لأحمد بن بيلا، أول رئيس جزائري.
العلاقة بين الورداني وبورقيبة وصفت بأنّها أعداء أشقاء. لقد وثق بورقيبة بالورداني أكثر من أي شخص آخر في حياته. وأتيح له الإذن بالدخول لبرقيبة بدون إعلام أو ترخيص حتّى لدخول غرفة الرئيس وإيقاظه.
كان حسن يعرف ويحترم حب بورقيبة لبلده، لكنه فهم أيضا أنه سياسي، وكسياسي يمكنه أن يضحي للتحقيق أهدافه. عرف بورقيبة أنّ الورداني كان من الفلاقة، وعقيدته هي عقيدة القواة المسلحة وهي تونس وعلمها فقط. عرف الورداني دائمًا أنه حتى لو أنقذ حياة بورقيبة أكثر من مرة، فإنّه لا يزال بإمكانه إيذائه إذا عرقل سياسته. خلال حياته، كان لجدي عدّة حوادث مع الرئيس.
في وقت لاحق، تجنّب بورقيبة غضب الورداني من خلال القضاء على سياسة التعاضد الفاشلة التي كانت سيئة للإقتصاد التونسي (وآثارها على الإقتصاد التونسي. نعاني منه إلى اليوم). ومن المفارقات أنّ سياسة التعاضد انتهت في مدينة الوردانين بصراع بين القوات المسلحة التونسية والمدنيين الذين ضحوا بدمائهم من أجل الاستقلال وبورقيبة حتى يصبح ويبقى رئيسا. أسفر النزاع عن مئات الإعتقالات (رجال ونساء)، ولكن على وجه الخصوص وفاة رجل لا يمتلك مترا مربعا من الأرض. أظهر حدث سنة 1969، الروح الحرة الخالية من الخوف لسكان الوردانين. إن لقب "الورداني" لا يصف حسن بأنه شخص، بل أيضا روح مدينة الوردانين التي يمثّلها.